رمضان وقلوب المؤمنين يقذف الله سبحانه وتعالى النور في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، فتخرج من القلوب ومضات تظهر على جوارحهم، وتهديهم إلى الصراط المستقيم، فيكون من أمامهم نور، ومن خلفهم نور وعن أيمانهم نور، وعن شمائلهم نور، ومن فوقهم نور، ومن أسفلهم نور، وتكون كل حياتهم نورًا.
ولقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية أوصاف لهذه القلوب بأنها: تقية وجلة خائفة مشفقة، ومطمئنة صابرة مرابطة، ورقيقة لينة رحيمة، ونقية سليمة طاهرة، ومتآلفة، متحابة، متآخية، ومهدية، واعية، يقظة، حية…
يعيش صاحب هذه القلوب بين الخوف من الله، والرجاء في عفوه ومغفرته، فهو كثير الذكر والدعاء والاستغفار، أواب تائب، يحب لقاء الله لأنه أحب الله، تُقْبَض روحه وهى راضية مرضية.
يحتاج المسلم إلى معرفة صفات هذه القلوب حتى يعمل ليكون منها، ولقد وردت هذه الصفات في كتاب الله عز وجل، وبَيّنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وشرحها أهل الصلاح والتقوى من العلماء، ودعا بها الداعون إلى الله بالقول والعمل والقدوة الحسنة.
وسوف نبين في هذا المقام هذه الصفات، وإظهار ومضاتها لتثبيت قلوب المؤمنين على الحق، ولإرشاد العاصين إلى طريق النور المؤدي إلى مرضات الله، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الومضات هادية لقلوبنا إلى حب الله، وحب رسول (صلى الله عليه وسلم)، وفيما يلي هذه الصفات:
أولاً: قلوب نقية وجلة خائفة:
من صفات المؤمنين كما ورد في القرآن الكريم ﴿إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: من الآية 2)، فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، مصداقًا لقول الله تبارك وتعالى: ﴿...وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ....﴾ (الحج)، هؤلاء المؤمنون وصفهم الله بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)﴾ (المؤمنون)، ولقد وضح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الآية الأخيرة بقوله: "الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألاّ يتقبل الله منهم" (رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها)، ومن شدة خشيتهم من الله عز وجل نجدهم يسارعون إلى عمل الخيرات ويخافون أن لا يتقبل الله منهم ذلك، وفي هذا المقام يقول الحسن البصري: (إن المؤمن جمع إحسانًًا وشفقةً، وإن الكافر جمع إساءةً وأمنًًا) (تفسير ابن كثير جزء 3 صفحة 237).
ولقد ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله: (والله لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة)، كما ورد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (لو قيل إن كل الناس يدخلون الجنة إلاّ واحد، لكنت أنا هذا الواحد)، وهو من المبشرين بالجنة.
وعلى المسلم التقي أن يسارع في عمل الخيرات ويدعو الله خوفًا وطمعًا، كما ورد في قوله تبارك وتعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ (السجدة: من الآية 16)، وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ الصحابة، تأثرت قلوبهم وأدمعت عيونهم، فعن أحد الصحابة رضي الله عنه أنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وأدمعت العيون".
ثانيًا: قلوب مطمئنة صابرة مرابطة:
من صفات القلوب المؤمنة: الاطمئنان بالله، صابرة عند الشدائد، ثابتة مرابطة عند الابتلاءات، لا ترتاب ولا تنحرف ولا تضل ولا تضجر، وزادها في ذلك كثرة الذكر والدعاء، ولقد بين القرآن الكريم ذلك فقال الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾ (الرعد).
وتختبر هذه القلوب بالابتلاءات كما حدث مع عمار بن ياسر رضى الله عنه الذى نزل فيه قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ (النحل: من الآية 106)، ففي هذه الآية يوضح الله عز وجل أن صاحب القلب الثابت الصابر المرابط لا يتأثر قلبه بما ينطقه اللسان لنجاة الجسد من الهلاك، ولقد روى ابن جرير عن أبى عبيده قال:"أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "كيف تجد قلبك؟"، قال مطمئنُُ بالإيمان، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن عادوا فعد".
والاطمئنان والصبر والمرابطة من ثمرات الإيمان والتقوى، ففى غزوة بدر أمَدَّ الله المؤمنين بجند من عنده لطمأنة القلوب بنصره، وفي هذا المقام، يقول الله تبارك وتعالى ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)﴾ (آل عمران)، ومن نداء القرآن للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو الله بطمأنة القلوب وتثبيتها وخشوعها، ومن هذه الأدعية:
* "قل اللهم إني أسألك نفسًا بك مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك" (رواه الترمذي).
* "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع" (رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد).
ثالثاً: قلوب سليمة طاهرة زكية:
القلب السليم هو الذي سَلُمَ من الآفات والأمراض والأسقام، وإذا طهر القلب من ذلك طهرت الجوارح جميعًا واتجهت نحو ما يُرضىِ الله عز وجل، فالجوارح أتباع للقلب، ومن صفات المؤمنين أن الله عز وجل قد طَهَّر قلوبهم من الغل الذي هو أساس كل خطيئة، ولقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك، فقال: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)﴾ (الحجر)، وجزاء هؤلاء الجنة على سرر متقابلين.
وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو ربه ويقول: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ (الشعراء)، ولقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان وجعل قلبه سليمًا" (رواه أحمد)، ومن دعاء الصالحين الذين طهرت قلوبهم من الغل: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10).
وعلى النقيض مما سبق، فقد وصف الله عز وجل المنافقين واليهود بأنهم قوم لم يطهر الله قلوبهم لأنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم بسبب الكفر والعصيان وسوء أخلاقهم، وفي هذا المقام يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله (صلى الله عليه وسلم): ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)﴾ (المائدة).
ومن الأدعية المأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "اللهم نقِّ قلبي من الخطايا" (رواه البخاري ومسلم)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يدعو للمسلم ويقول له: "اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه" (رواه أحمد)، ولقد ورد في السنة النبوية الشريفة أن الله عز وجل أرسل ملائكة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فشقت صدره واستخرجت قلبه وغسلته بماء زمزم، وهذا ما أشار الله إليه في سورة الانشراح بقوله عز وجل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾ (الانشراح).
رابعًا: قلوب تقية ورعة صالحة:
من صفات قلوب المؤمنين التقوى، والتقوى محلها القلب، ولقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تشير إلى ذلك، ومنها قول الله عز وجل: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾ (الحج)، فالقلب التقي الورع يحرص صاحبه كل الحرص على الالتزام بأوامر الله في كل أحواله، ولقد بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره وهو موضع القلب (رواه مسلم)، وصاحب القلب التقى من خير الناس، فقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من خير الناس؟"، قال "كل مؤمن مخموم القلب"، قيل: "وما مخموم القلب؟" فقال: "هو التقي النقي الذي لا غش فيه ولا بغي ولا غدر ولا غل ولا حسد" (رواه ابن ماجه).
ويمتحن الله سبحانه وتعالى درجة إيمان المسلم بمدى التزامه بتعاليم الله ورسوله، كما ورد في قوله تعالى عندما أمر المؤمنين بخفض الصوت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)﴾ (الحجرات)، فهؤلاء المؤمنون الذين امتثلوا لأمر الله عز وجل وهو خفض الصوت في حضرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما أمرهم الله بذلك في قوله: ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ (الحجرات: من الآية 2).
ومن تقوى القلب أن لا يتبع الإنسان هوى نفسه الأمّارة بالسوء لأنه محاسب على ذلك، وفي هذا المقام يقول الله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾ (الإسراء)، ويقصد بالفؤاد في هذه الآية بالقلب.
ومن ومضات القلب التقى أنه يهدى صاحبه ويرشده إلى الخير، فعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: "جئت تسأل البر؟" قلت نعم، فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك" (رواه الإمام أحمد).
خامسًا: قلوب لينة رقيقة رحيمة:
من صفات قلوب المؤمنين الرقة واللين والألفة والرحمة، فقال الله تعالى في وصف قلوب بعض رسله وأنبيائه: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)﴾ (الحديد).
ومن الصفات والأخلاق الحميدة التى كانت في رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه كان رقيق القلب رءوفًا رحيمًا، يقول الله عز وجل عنه (صلى الله عليه وسلم): ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ (التوبة)، ويثنى الله عز وجل على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) بقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
ومن الأعمال التي تسبب لين القلب ورقته قراءة القرآن الكريم والصلاة والدعاء والذكر، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عز وجل: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (الزمر: من الآية 23).
وأصحاب القلوب الرقيقة من المبشرين بالجنة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلك وعفيف متعفف ذو عيال" (رواه مسلم)، ويصنف الرسول القلوب إلى أنواع منها اللينة الرقيقة، كما ورد في قوله (صلى الله عليه وسلم): "إن من المؤمنين من يلين لى قلبه" (رواه أحمد)، وعندما كان يخطب الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المسلمين ويعظهم كانت أعينهم تدمع وترق قلوبهم، فقد ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم: (وعظنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موعظة فاضت منها العيون ورقت القلوب) (رواه أحمد).
سادسًا: قلوب متآلفة متحابة متآخية:
من صفات قلوب المؤمنين التآلف، وهذا نعمة ورزق من الله سبحانه وتعالى يتفضل به على من يشاء من عباده، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عز وجل: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: من الآية 103)، ويقول الله عز وجل لرسوله (صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾ (الأنفال).
ولقد استطاع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تأليف قلوب الكفار والمشركين في مكة والمدينة، بعد أن كانوا أعداء يضرب بعضهم أعناق بعض، وبعد أن كانوا يكيدون للإسلام كل الكيد، وهذا ما فعله مع عظماء المشركين بالكلمة الطيبة وبالمال، وكذلك ما فعله (صلى الله عليه وسلم) مع الأوس والخزرج، وعندما دخل مكة فاتحًا قال لهم- صلى الله عليه وسلم- "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وعندما تتآلف القلوب تتحد كأنها قلب واحد، فقد وصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) قلوب المؤمنين بقوله: "قلوبهم قلب واحد" (رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف"، وعنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "المؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".
وعندما تتآلف القلوب، يتحاب أصحابها، ويصبحوا إخوانًا في الله، يحبون في الله، ويبغضون في الله، ويعطون لله، ويمنعون لله، وإذا أحب المسلم الله ورسوله صِدْقًا، أحبه عباد الله الصالحين، وهذا ما يطلق عليه: الحب في الله، ولقد ورد في هذا المقام عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "حقت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، هم على منابرٍ من نورٍ، يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء" (رواه الإمام أحمد).
ومن دعاء المتآخين في الله: "اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوثق اللهم رابطتها، وأدم ودها، وأهدها سبلها، وإملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح اللهم صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير".
سابعًا: قلوب مهدية واعية يقظة:
من صفات قلوب المؤمنين أنها مهدية إلى اليقين والاستسلام التام لقدر لله، وأصل ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التغابن: من الآية 11)، ولقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: (يعنى هداية قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه)، وهذا المعنى وارد أيضًا في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)﴾ (الفاتحة)، وتعني اهد قلوبنا إلى الالتزام بدينك وبشريعتك، والهداية والتأييد من الله فهو القائل في وصف المؤمنين: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (22)﴾ (المجادلة).
وصاحب القلب المهدي إلى الصراط المستقيم تجده دائمًا واعيًا يقظًا خشية أن يوسوس إليه الشيطان فيضل الطريق ويصبح من الغافلين، وهذا ما ورد في تحذير الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف: من الآية 28)، والقلوب أنواع من حيث درجة الوعي، فيقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "القلوب بعضها أوعى من بعض" (رواه الإمام أحمد).
وقلب المؤمن واعظ لصاحبه يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا أراد الله بعبده خيرًاً جعل له واعظًا من قلبه، يأمره وينهاه" (رواه ابن ماجه والديلمي) والقلب اليقظ ينكر المعاصي ويتجه إلى الله سبحانه وتعالى بالاستغفار، فقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكته بيضاء..." (رواه مسلم وأحمد).
ويجب على المسلم أن يكون حاضر القلب في الذكر والدعاء حتى يقبل الله منه ذلك، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إن الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل" (رواه الترمذي)، ومن الأدعية المأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا المقام: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي" (رواه الترمذي)، وعن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: "… رب تقبل توبتى، واغسل حَوْبتى، وأجب دعوتي، واهد قَلْبي، وسدد لساني، وثبت حجتي، واسْلُلْ سخيمة قلبي" (رواه ابن ماجه).
كيف تكون من أصحاب القلوب المؤمنة؟
ذكرنا فيما سبق صفات قلوب المؤمنين، ويحتاج المسلم دائمًا إلى زاد ليقوى الإيمان في قلبه، وليجنبه الآفات حتى لا يمرض القلب ويموت استجابة لوصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" (رواه الطبراني والحاكم)، ومن وصايا الصالحين: (من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما ينقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أم ينقص، وإنه من فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنّى يأتيه).
ومن وسائل تقوية الإيمان في القلوب: الاستمرار والمواظبة على قرآءة القرآن، وتدبر معانيه وحفظه والعمل به، والدعوة به ولزوم حلقات الذكر والدعاء والعلم، والمداومة والاستكثار من الأعمال الصالحات، واستشعار عظمة الله والانكسار بين يديه والخوف منه والرجاء في عفوه، والإكثار من ذكر الموت ومنازل الآخرة والمحاسبة أمام الله، ومراقبة النفس ومحاسبتها. وأن يكثر من الدعاء القرآني الآتي: (اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين).
---------------
بلتوفيق تحياتى موندى
ولقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية أوصاف لهذه القلوب بأنها: تقية وجلة خائفة مشفقة، ومطمئنة صابرة مرابطة، ورقيقة لينة رحيمة، ونقية سليمة طاهرة، ومتآلفة، متحابة، متآخية، ومهدية، واعية، يقظة، حية…
يعيش صاحب هذه القلوب بين الخوف من الله، والرجاء في عفوه ومغفرته، فهو كثير الذكر والدعاء والاستغفار، أواب تائب، يحب لقاء الله لأنه أحب الله، تُقْبَض روحه وهى راضية مرضية.
يحتاج المسلم إلى معرفة صفات هذه القلوب حتى يعمل ليكون منها، ولقد وردت هذه الصفات في كتاب الله عز وجل، وبَيّنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وشرحها أهل الصلاح والتقوى من العلماء، ودعا بها الداعون إلى الله بالقول والعمل والقدوة الحسنة.
وسوف نبين في هذا المقام هذه الصفات، وإظهار ومضاتها لتثبيت قلوب المؤمنين على الحق، ولإرشاد العاصين إلى طريق النور المؤدي إلى مرضات الله، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الومضات هادية لقلوبنا إلى حب الله، وحب رسول (صلى الله عليه وسلم)، وفيما يلي هذه الصفات:
أولاً: قلوب نقية وجلة خائفة:
من صفات المؤمنين كما ورد في القرآن الكريم ﴿إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: من الآية 2)، فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، مصداقًا لقول الله تبارك وتعالى: ﴿...وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ....﴾ (الحج)، هؤلاء المؤمنون وصفهم الله بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)﴾ (المؤمنون)، ولقد وضح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الآية الأخيرة بقوله: "الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألاّ يتقبل الله منهم" (رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها)، ومن شدة خشيتهم من الله عز وجل نجدهم يسارعون إلى عمل الخيرات ويخافون أن لا يتقبل الله منهم ذلك، وفي هذا المقام يقول الحسن البصري: (إن المؤمن جمع إحسانًًا وشفقةً، وإن الكافر جمع إساءةً وأمنًًا) (تفسير ابن كثير جزء 3 صفحة 237).
ولقد ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله: (والله لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة)، كما ورد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (لو قيل إن كل الناس يدخلون الجنة إلاّ واحد، لكنت أنا هذا الواحد)، وهو من المبشرين بالجنة.
وعلى المسلم التقي أن يسارع في عمل الخيرات ويدعو الله خوفًا وطمعًا، كما ورد في قوله تبارك وتعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ (السجدة: من الآية 16)، وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ الصحابة، تأثرت قلوبهم وأدمعت عيونهم، فعن أحد الصحابة رضي الله عنه أنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وأدمعت العيون".
ثانيًا: قلوب مطمئنة صابرة مرابطة:
من صفات القلوب المؤمنة: الاطمئنان بالله، صابرة عند الشدائد، ثابتة مرابطة عند الابتلاءات، لا ترتاب ولا تنحرف ولا تضل ولا تضجر، وزادها في ذلك كثرة الذكر والدعاء، ولقد بين القرآن الكريم ذلك فقال الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾ (الرعد).
وتختبر هذه القلوب بالابتلاءات كما حدث مع عمار بن ياسر رضى الله عنه الذى نزل فيه قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ (النحل: من الآية 106)، ففي هذه الآية يوضح الله عز وجل أن صاحب القلب الثابت الصابر المرابط لا يتأثر قلبه بما ينطقه اللسان لنجاة الجسد من الهلاك، ولقد روى ابن جرير عن أبى عبيده قال:"أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "كيف تجد قلبك؟"، قال مطمئنُُ بالإيمان، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن عادوا فعد".
والاطمئنان والصبر والمرابطة من ثمرات الإيمان والتقوى، ففى غزوة بدر أمَدَّ الله المؤمنين بجند من عنده لطمأنة القلوب بنصره، وفي هذا المقام، يقول الله تبارك وتعالى ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)﴾ (آل عمران)، ومن نداء القرآن للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو الله بطمأنة القلوب وتثبيتها وخشوعها، ومن هذه الأدعية:
* "قل اللهم إني أسألك نفسًا بك مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك" (رواه الترمذي).
* "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع" (رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد).
ثالثاً: قلوب سليمة طاهرة زكية:
القلب السليم هو الذي سَلُمَ من الآفات والأمراض والأسقام، وإذا طهر القلب من ذلك طهرت الجوارح جميعًا واتجهت نحو ما يُرضىِ الله عز وجل، فالجوارح أتباع للقلب، ومن صفات المؤمنين أن الله عز وجل قد طَهَّر قلوبهم من الغل الذي هو أساس كل خطيئة، ولقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك، فقال: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)﴾ (الحجر)، وجزاء هؤلاء الجنة على سرر متقابلين.
وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو ربه ويقول: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ (الشعراء)، ولقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان وجعل قلبه سليمًا" (رواه أحمد)، ومن دعاء الصالحين الذين طهرت قلوبهم من الغل: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10).
وعلى النقيض مما سبق، فقد وصف الله عز وجل المنافقين واليهود بأنهم قوم لم يطهر الله قلوبهم لأنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم بسبب الكفر والعصيان وسوء أخلاقهم، وفي هذا المقام يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله (صلى الله عليه وسلم): ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)﴾ (المائدة).
ومن الأدعية المأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "اللهم نقِّ قلبي من الخطايا" (رواه البخاري ومسلم)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يدعو للمسلم ويقول له: "اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه" (رواه أحمد)، ولقد ورد في السنة النبوية الشريفة أن الله عز وجل أرسل ملائكة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فشقت صدره واستخرجت قلبه وغسلته بماء زمزم، وهذا ما أشار الله إليه في سورة الانشراح بقوله عز وجل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾ (الانشراح).
رابعًا: قلوب تقية ورعة صالحة:
من صفات قلوب المؤمنين التقوى، والتقوى محلها القلب، ولقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تشير إلى ذلك، ومنها قول الله عز وجل: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾ (الحج)، فالقلب التقي الورع يحرص صاحبه كل الحرص على الالتزام بأوامر الله في كل أحواله، ولقد بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره وهو موضع القلب (رواه مسلم)، وصاحب القلب التقى من خير الناس، فقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من خير الناس؟"، قال "كل مؤمن مخموم القلب"، قيل: "وما مخموم القلب؟" فقال: "هو التقي النقي الذي لا غش فيه ولا بغي ولا غدر ولا غل ولا حسد" (رواه ابن ماجه).
ويمتحن الله سبحانه وتعالى درجة إيمان المسلم بمدى التزامه بتعاليم الله ورسوله، كما ورد في قوله تعالى عندما أمر المؤمنين بخفض الصوت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)﴾ (الحجرات)، فهؤلاء المؤمنون الذين امتثلوا لأمر الله عز وجل وهو خفض الصوت في حضرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما أمرهم الله بذلك في قوله: ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ (الحجرات: من الآية 2).
ومن تقوى القلب أن لا يتبع الإنسان هوى نفسه الأمّارة بالسوء لأنه محاسب على ذلك، وفي هذا المقام يقول الله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾ (الإسراء)، ويقصد بالفؤاد في هذه الآية بالقلب.
ومن ومضات القلب التقى أنه يهدى صاحبه ويرشده إلى الخير، فعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: "جئت تسأل البر؟" قلت نعم، فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك" (رواه الإمام أحمد).
خامسًا: قلوب لينة رقيقة رحيمة:
من صفات قلوب المؤمنين الرقة واللين والألفة والرحمة، فقال الله تعالى في وصف قلوب بعض رسله وأنبيائه: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)﴾ (الحديد).
ومن الصفات والأخلاق الحميدة التى كانت في رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه كان رقيق القلب رءوفًا رحيمًا، يقول الله عز وجل عنه (صلى الله عليه وسلم): ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ (التوبة)، ويثنى الله عز وجل على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) بقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
ومن الأعمال التي تسبب لين القلب ورقته قراءة القرآن الكريم والصلاة والدعاء والذكر، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عز وجل: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (الزمر: من الآية 23).
وأصحاب القلوب الرقيقة من المبشرين بالجنة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلك وعفيف متعفف ذو عيال" (رواه مسلم)، ويصنف الرسول القلوب إلى أنواع منها اللينة الرقيقة، كما ورد في قوله (صلى الله عليه وسلم): "إن من المؤمنين من يلين لى قلبه" (رواه أحمد)، وعندما كان يخطب الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المسلمين ويعظهم كانت أعينهم تدمع وترق قلوبهم، فقد ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم: (وعظنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موعظة فاضت منها العيون ورقت القلوب) (رواه أحمد).
سادسًا: قلوب متآلفة متحابة متآخية:
من صفات قلوب المؤمنين التآلف، وهذا نعمة ورزق من الله سبحانه وتعالى يتفضل به على من يشاء من عباده، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عز وجل: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: من الآية 103)، ويقول الله عز وجل لرسوله (صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾ (الأنفال).
ولقد استطاع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تأليف قلوب الكفار والمشركين في مكة والمدينة، بعد أن كانوا أعداء يضرب بعضهم أعناق بعض، وبعد أن كانوا يكيدون للإسلام كل الكيد، وهذا ما فعله مع عظماء المشركين بالكلمة الطيبة وبالمال، وكذلك ما فعله (صلى الله عليه وسلم) مع الأوس والخزرج، وعندما دخل مكة فاتحًا قال لهم- صلى الله عليه وسلم- "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وعندما تتآلف القلوب تتحد كأنها قلب واحد، فقد وصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) قلوب المؤمنين بقوله: "قلوبهم قلب واحد" (رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف"، وعنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "المؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".
وعندما تتآلف القلوب، يتحاب أصحابها، ويصبحوا إخوانًا في الله، يحبون في الله، ويبغضون في الله، ويعطون لله، ويمنعون لله، وإذا أحب المسلم الله ورسوله صِدْقًا، أحبه عباد الله الصالحين، وهذا ما يطلق عليه: الحب في الله، ولقد ورد في هذا المقام عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "حقت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، هم على منابرٍ من نورٍ، يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء" (رواه الإمام أحمد).
ومن دعاء المتآخين في الله: "اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوثق اللهم رابطتها، وأدم ودها، وأهدها سبلها، وإملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح اللهم صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير".
سابعًا: قلوب مهدية واعية يقظة:
من صفات قلوب المؤمنين أنها مهدية إلى اليقين والاستسلام التام لقدر لله، وأصل ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التغابن: من الآية 11)، ولقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: (يعنى هداية قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه)، وهذا المعنى وارد أيضًا في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)﴾ (الفاتحة)، وتعني اهد قلوبنا إلى الالتزام بدينك وبشريعتك، والهداية والتأييد من الله فهو القائل في وصف المؤمنين: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (22)﴾ (المجادلة).
وصاحب القلب المهدي إلى الصراط المستقيم تجده دائمًا واعيًا يقظًا خشية أن يوسوس إليه الشيطان فيضل الطريق ويصبح من الغافلين، وهذا ما ورد في تحذير الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف: من الآية 28)، والقلوب أنواع من حيث درجة الوعي، فيقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "القلوب بعضها أوعى من بعض" (رواه الإمام أحمد).
وقلب المؤمن واعظ لصاحبه يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا أراد الله بعبده خيرًاً جعل له واعظًا من قلبه، يأمره وينهاه" (رواه ابن ماجه والديلمي) والقلب اليقظ ينكر المعاصي ويتجه إلى الله سبحانه وتعالى بالاستغفار، فقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكته بيضاء..." (رواه مسلم وأحمد).
ويجب على المسلم أن يكون حاضر القلب في الذكر والدعاء حتى يقبل الله منه ذلك، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إن الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل" (رواه الترمذي)، ومن الأدعية المأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا المقام: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي" (رواه الترمذي)، وعن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: "… رب تقبل توبتى، واغسل حَوْبتى، وأجب دعوتي، واهد قَلْبي، وسدد لساني، وثبت حجتي، واسْلُلْ سخيمة قلبي" (رواه ابن ماجه).
كيف تكون من أصحاب القلوب المؤمنة؟
ذكرنا فيما سبق صفات قلوب المؤمنين، ويحتاج المسلم دائمًا إلى زاد ليقوى الإيمان في قلبه، وليجنبه الآفات حتى لا يمرض القلب ويموت استجابة لوصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" (رواه الطبراني والحاكم)، ومن وصايا الصالحين: (من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما ينقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أم ينقص، وإنه من فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنّى يأتيه).
ومن وسائل تقوية الإيمان في القلوب: الاستمرار والمواظبة على قرآءة القرآن، وتدبر معانيه وحفظه والعمل به، والدعوة به ولزوم حلقات الذكر والدعاء والعلم، والمداومة والاستكثار من الأعمال الصالحات، واستشعار عظمة الله والانكسار بين يديه والخوف منه والرجاء في عفوه، والإكثار من ذكر الموت ومنازل الآخرة والمحاسبة أمام الله، ومراقبة النفس ومحاسبتها. وأن يكثر من الدعاء القرآني الآتي: (اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين).
---------------
بلتوفيق تحياتى موندى